كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأكثر ما فيه: أنه يسميها زوجة قبل العقد برئت من الدين. فإن خاف أن لا تبرئه من الصداق، وتطالبه به، ويسقط حقه من المال الذي عليها، فالحيلة له: أن يشهد عليها في العقد: أنه برئ إليها من الصداق، وأنها لا تستحق المطالبة به.
المثال السادس والخمسون: إذا أراد أن يشترى جارية، وعرض له آخر يريد شراءها. فاستحلف أحدهما صاحبه: أنه إن اشتراها فهى بينه وبينه نصفين، فأراد أن يشتريها وتكون له. تأول في يمينه: أنه إن اشتراها بنفسه فهى بينه وبينه. فإذا وكل من يشتريها له كانت له وحده.
فإن استحلفه أنه إن ملكها فهو شريكه فيها، بطلت هذه الحيلة، فله أن يأمر من يثق به أن يشتريها لنفسه، ويؤدى هو عنه الثمن. ثم يزوجه إياها. فإذا أراد بيعها استبرأها، ثم أمر ذلك الرجل أن يبيعها ويرجع ثمنها إليه.
المثال السابع والخمسون: إذا كان بينهما عرض من العروض، فاشتراه منهما أجنبى بمائه درهم وقبضه. ثم إن المشترى أراد أن يصالح أحدهما من جميع الثمن على بعضه، على أن يضمن له الدرك من شريكه، حتى يخلصه منه، أو يرد عليه جميع الثمن الذي وقع العقد عليه فقال القاضي: لا يجوز ذلك، لأن الضمان على شريكه إنما يجب بقبضه المال، وذلك لم يوجد، فلا يكون مضمونا عليه.
فالحلية للمشترى: أن يكون بريئا. وإن أدركه درك من شريكه رجع به على الذي صالحه أن يحط الشريك المصالح عن المشترى نصيبه كله من الثمن ثم يدفع المشترى إليه نصيب صاحبه، فصالحه على أنه ضامن لما أدركه من شريكه، حتى يخلصه منه، أو يرد عليه ما قبضه منه، ويبرئه هو من نصيبه، لأنه إذا أبرأه من نصيبه لم يبق من الدين إلا نصيب صاحبه، فإذا قبضه كان مضمونا عليه، لأنه قبض دين الغير بغير أمره.
المثال الثامن والخمسون: إذا كان عبد بين شريكين موسرين، فأراد كل منهما عتق نصيبه، وأن لا يغرم لشريكه شيئًا.
فالحيلة: أن يوكلا رجلًا فيعتقه عنهما، ويكون ولاؤه بينهما.
المثال التاسع والخمسون: إذا سأله عبده أن يزوجه أمته فحلف أن لا يفعل، ثم بداله في تزويجه.
فالحيلة: أن يبيع العبد والأمة لمن يثق به، ثم يزوجه المشترى، فإذا تم العقد أقاله في البيع.
ولا بأس هذه الحيلة، فإنها لا تتضمن إبطال حق، ولا تحليل محرم. وذلك غير ممتنع على أصلنا، لأن الصفة، وهى عقد النكاح قد وجدت في حال زوال ملكه. فلا يتعلق بها حنث، ولا يحنث أيضًا باستدامة التزويج بعد ملكهما. لأن التزويج عبارة عن العقد، وقد انقضى، وإنما بقى حكمه. ولهذا لو حلف لا يتزوج فاستدام التزويج. لم يحنث، وهذا بخلاف ما إذا حلف على عبده أنه لا يدخل الدار، فباعه. ودخلها ثم ملكه. فإن دخلها حنث، لأنه ابتدأ الدخول واليمين باقية، ولو دخلها في حال زوال ملكه وهو داخل فيها حنث، لأن الدخول الأول عبارة عن الكون وذلك موجود بعد الملك الثانى فيحنث به، كما لو كان موجودا في الملك الأول.
وقد قال أحمد في رواية مهنا، في رجل قال لامرأته: أنت طالق إن رهنت كذا وكذا. فإذا هي قد رهنته قبل يمينه، فقال: أخاف أن يكون حنث.
قال القاضي: وهذا محمول على أنه قال إن كنت رهنته. وهذا تأويل منه لكلام أحمد: فظاهر كلامه أنه جعل استدامة الرهن بمنزلة ابتدائه، كالدخول.
المثال الستون: إذا كان له عليه مال، فمرض المستحق وأراد أن يبرئه منه، وهو يخرج من ثلثه. فخاف أن تكتم الورثة ماله، ويقولوا: لم يدع إلا الدين الذي على هذا.
فالحلية في خلاصه: أن يخرج المريض من ماله بقدر الدين الذي على غريمه، فيملكه إياه، ثم يستوفيه منه، ويشهد على ذلك، وكذلك إذا أراد المريض أن يعتق عبدًا، وله مال يخرج من ثلثه، ويملكه ماله، فخاف أن يقول الورثة: لم يخلف الميت شيئًا غير هذا العبد وماله.
فالحيلة: أن يبيع المريض العبد من رجل يثق به، ويقبض الثمن، فيهبه للمشترى ثم يعتقه المشترى. فإن كان على الميت دين وله وفاء وفضل يخرج العبد من ثلثه فخاف المريض أن يغيب الورثة ماله، ثم يقولوا: أعتق العبد ولا مال له غيره، فلا نجيز له ما صنع من ذلك.
فالحيلة فيه: أن يبيع العبد من نفسه، ويقبض الثمن منه بمحضر من الشهود. ثم يهب المريض للعبد ما قبض منه في السر، فيأمن حينئذ من اعتراض الورثة، فإن لم يكن للعبد مال يشترى به نفسه، وهبه مالا في السر، وأقبضه إياه، فيشترى به العبد نفسه من سيده. فإن لم يرد السيد عتقه، وأراد بيعه من بعض ورثته بمال على المريض ليست له به بينة.
فالحيلة في ذلك: أن يقبض وارثه ماله في السر، ثم يبيعه العبد ويشهد له على ذلك، ويقبض الثمن بمحضر من الشهود، فيتخلص من اعتراض الورثة.
المثال الحادى والستون: إذا أوصى إلى رجل، فخاف أن لا يقبل، فقال: إن لم يقبل فلان وصيتى فهى لفلان. صح ذلك بسنة رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم الصحيحة الصريحة، التي لا تجوز مخالفتها حيث علق الإمارة بالشرط. فتعليق الوصية أولى، لأنه يستفيد بالإمارة أكثر مما يستفيد بالوصية. وبعض الفقهاء يبطل ذلك.
فالحيلة في ذلك: أن يشهد المريض أنهما جميعًا وصياه، فإن لم يقبل أحدهما، وقبل الآخر، فالذى قبل منهما وصى وحده. فإن قبلا جميعا، فلكل واحد منهما أن ينفرد بالتصرف عن صاحبه، لأنه رضى بتصرف كل واحد منهما، قاله القاضي:
فإن خاف أن يمنع ذلك من لا يرى انفراد أحدهما بالتصرف، ويقول: قد شرك بينهما وجعلهما بمنزلة وصى واحد.
فالحيلة في الجواز: أن يقول: أو صيت إليهما على الاجتماع والانفراد.
المثال الثانى والستون: إذا تصرف الوصى وباع واشترى وأنفق على اليتيم. فللحاكم أن يحاسبه ويسأله عن وجوه ذلك، ولا يمنعه من محاسبته كونه أمينا، فإن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم حاسب عماله، كما ثبت في صحيح البخارى: «أنّهُ بَعَثَ ابْنَ الُّلتْبِيَّةِ عَامِلًا عَلَى الصَّدَقَةِ، فَلَمَّا جَاءَ حَاسَبَهُ».
فإن أراد الوصى أن يتخلص من ذلك.
فالحيلة له: أن يجعل غيره هو الذي يتولى بيع التركة، وقبض الدين والإنفاق، ولا يشهد على نفسه بوصول شيء من ذلك إليه، فإذا سأله الحاكم، قال: لم يصل إلى شيء من التركة، ولا تصرفت فيها. فإن كانت التركة قد بيعت بأمره وقبض ثمنها بأمره، وصرف بأمره. فحلفه الحاكم إنه لم يقبض، ولم يوكل من قبض وتصرف وأنفق. فإن كان محسنا قد وضع التركة موضعها ولم يخن، وسعه أن يتأول في يمينه. وإن كان ظالمًا لم ينفعه تأويله.
المثال الثالث والستون: يصح وقف الإنسان على نفسه، على أصح الروايتين، ويجوز اشتراط النظر لنفسه، ويجوز أن يستثنى الإنفاق منه على نفسه ما عاش، أو على أهله. وغيرنا ينازعنا في ذلك، فإذا خاف من حاكم يبطل الوقف على هذا الوجه.
فالحيلة له: أن يملكه لولده أو زوجته، أو أجنبى يقفه عليه، ويشترط له النظر فيه.
وأن يقدم على غيره من الموقوف عليهم بغَلَّته، أو بالإنفاق عليه، فيصح حينئذ، ولا يبقى للاعتراض عليه سبيل.
المثال الرابع والستون: إذا اشترى جارية وقبضها، فوجد بها عيبا ولم يكن نقد ثمنها، فأراد ردها. فصالحه البائع على أن يأخذ البائع الجارية بأقل من الثمن الذي اشتراها به. فقال القاضي: لا يجوز ذلك، لأن هذا الصلح في معنى البيع، وبيع المبيع من بائعه بأقل من ثمنه لا يجوز، لأنه ذريعة إلى الربا، وهو كمسألة العينة، فإن كان قد حدث بالجارية عيب عند المشترى جاز ذلك، لأن مقدار الحط يكون بإزاء العيب الذي حدث عند المشترى، فلا يؤدى إلى مسألة العينة.
والحيلة في جواز ذلك، في الصورة الأولى على وجه لا يشبه العينة: أن يخرج الجارية من ملكه، فيبيعها لرجل بالثمن الذي يأخذها به البائع، فيصالح الذي في يده الجارية البائع على أن يقبلها بدون الثمن الذي وقع عليه العقد، ويجعل هذا الثمن الذي يأخذ به الجارية قضاء عن مشترى الجارية، لأن المشترى الثانى متى صالح البائع على أن يقبل الجارية بدون الثمن الذي اشتريت به، فهو عقد جرى بينهما مبتدأ، من غير بناء أحد العقدين على الآخر، فإذا اشتراها البائع من هذا الثانى حصل ثمنها في ذمته له، وله هو على المشترى الأول ثمنها، فإذا طالبه البائع بالثمن أحاله على المشترى الأول، فيتقاصان.
المثال الخامس والستون: الضمان لا تبرأ ذمة المضمون عنه بمجرده، حيا كان المضمون عنه أو ميتا.
وفيه رواية أخرى: أنه يبرئ ذمة الميت دون الحى، وهى مذهب أبى حنيفة.
وفيه قول ثالث: أنه يبرئ ذمة الحى والميت، كالحوالة، وهو مذهب داود.
فإذا أراد الضامن أن يكون مراجعه مبرئًا لذمة المضمون عنه، فالحيلة في ذلك: أن يقول: لا أضمن دينه إلا بشرط أن تبرئه منه، فمتى أبرأته منه فأنا ضامن له، ويصح تعليق الضمان بالشرط في أقوى الوجهين، فإذا أبرأه صحت البراءة، ولزم الدين الضامن وحده. فإن خاف رب الدين أن يرفعه إلى حاكم لا يرى صحة الضمان المعلق فيبطل دينه من ذمة الأصيل بالإبراء، ولا يثبت له في ذمة الضامن.
فالحيلة له: أن يكتب ضمانه ضمانًا مطلقًا، ويشهد عليه به من غير شرط، بعد إقراره ببراءة الأصيل، فيحصل مقصودهما.
المثال السادس والستون: الحوالة تنقل الحق من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه، فلا يملك مطالبة المحيل بعد ذلك إلا في صورة واحدة، وهى: أن يشترط ملاءة المحال عليه فيتبين مفلسًا.
وعند أبى حنيفة: إذا قرر المال على المحال عليه بأن جحده حقه، إذ قرار المحال على المحال عليه. فإن جحده حقه وحلف عليه أو مات مفلسًا رجع على المحيل.
وعند مالك: إن ظن ملاءته، فبان مفلسًا، رجع وإن طرأ عليه الفلس لم يكن له الرجوع.
فإذا أراد صاحب الحق التوثق لنفسه، وأنه إن تقرر ماله على المحال عليه رجع على المحيل.
فالحيلة له في ذلك: أن يحتال حوالة قبض لا حوالة استيفاء. فيقول للمحيل: أحلنى على غريمك أن أقبض لك ما عليه من الدين، فيجيبه إلى ذلك. فما قبضه منه كان على ملك المحيل فيأذن له في استيفائه. فإن خاف المحيل أن يهلك هذا المال في يد القابض ولا يغرمه لأنه وكيل في قبضه.
فالحيلة أن يقول له: ما قبضته فهو قرض في ذمتك، فيثبت في ذمته نظير ماله عليه، فيتقاصان.
فالحوالة ثلاثة أنواع: حوالة قبض محض، فهى وكالة، وحوالة استيفاء، وهى التي تنقل الحق، وحوالة إقراض.
فالأولى لا تثبت المقبوض في ذمة المحال، والثانية تجعل حقه في ذمة المحال عليه، والثالثة تثبت المأخوذ في ذمته بحكم الاقتراض.
المثال السابع والستون: إذا ضمن الدين ضامن فلمستحقه مطالبة أيهما شاء.
وعن مالك روايتان، إحداهما: كذلك. والثانية: أنه ليس له مطالبة الضامن إلا إذا تعذر مطالبة الأصيل.
فإن أراد الضامن أن يضمن على هذا الوجه فالحيلة أن يقول: إن تعذر مالك قبله فأنا ضامن له. ويصح تعليق الضمان على الشرط على الأصح.
فإن أراد أن يصحح ذلك على كل قول، ويأمن رفعه إلى من يرى بطلان ذلك.
فالحيلة فيه: أن يقول: ضمنت لك ما يتقرر لك على فلان، أو يعجز عن أدائه، فيصح ذلك، ولا يتمكن من مطالبته إلا إذا تقرر المال على الأصيل، أو عجز عنه.
المثال الثامن والستون: إذا بذت عليه امرأته، فقال: الطلاق يلزمنى منك لا تقولين لى شيئًا إلا قلت لك مثله، فقالت: أنت طالق ثلاثًا، فقال بعضهم: يقول لها: أنت طالق ثلاثًا بفتح التاء، ولا تطلق، لأن الخطاب لا يصلح لها، وهذا ضعيف جدًّا، لأن قوله: أنت طالق إما أن يعنيها به، أو يعنى غيرها، فإن لم يعنها لم يكن قد قال لها مثل ما قالت بل يكون القول لغيرها فلا يبر به وإن عناها به طلقت للمواجهة وفتح لتاء لا يمنع صحة الخطاب، والمعنى: أنت أيها الشخص، أو الإنسان.